الجمعة، 14 أكتوبر 2011

بعض أقوال النبي إن الله يلوم على العجز

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
[أبو داود ، أحمد]

هذا الحديث من أدق الأحاديث التي يتعين على كل مؤمن أن يستوعبه ، لأنه ذو مساس وشيج بكل نشاط حياته ، أنت في طريق الحياة ، أنت في حركة الحياة ، واجهت حركة ، ما موقفك كونك مؤمنًا ؟ هناك من ينهزمون، هناك من يهربون منها ، هناك من يستسلمون لبأسها ، هناك من يخضعون ، هناك من يخنعون ، وهناك من ينتحرون ، ما موقف المؤمن إذا واجهته مشكلة ؟

إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ
ما العجز ؟ أن تستسلم للمشكلة ، أن تخضع لها ، أن تعطل فكرك ، أن تعطل حركتك ، أن ترضى بها ، هذا موقف ليس إسلامياً ، وليس صحيحاً ، بل إن الله سبحانه وتعالى كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام يلوم على العجز ، حينما تعجز ، حينما تخضع للمشكلة ، حينما تستسلم ، حينما لا تعمل فكرك ، حينما لا تأخذ بالأسباب، حينما ترضى بالهوان ، حينما ترضى أن تكون دون الآخرين ، ليس هذا هو المسلم ، و ليس هذا هو المؤمن ، أين الله عز وجل ؟ الأمر كله بيد الله ، ما عليك إلا أن تدعوه ، وما عليك إلا أن تأخذ بالأسباب ، وما عليك إلا أن تسعى ، فكر ، هيئ خطة ، اسأل فلانًا ، خذ رأي فلان ، إذا واجهتك مشكلة المؤمن هكذا يستسلم ! حتى يقال عنه ضعيف ، خوار ، منسحب ، متقوقع ، انعزالي ، منهزم ؟ لا والله ، حديث دقيق جداً : إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، العجز أن ترى نفسك أقل من حل هذه المشكلة
قال الله تعالى:

(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)
[سورة آل عمران : 146]

تريد أمل ، أخي لا يوجد أمل ؟ لماذا لا يوجد أمل ؟ تحرك ، الفعل فعل الله ، والقدر قدر الله ، ادع الله عز وجل ، وخذ بالأسباب ، وابحث ، لماذا هذا الاستسلام لا يوجد أمل ، هذا الموقف موقف انهزامي ، موقف ليس إسلامياً ، موقف يلام عليه المؤمن ، إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْز، في دراستك هذه المادة صعبة ، لماذا صعبة ؟ لا يوجد شيء صعب ، ادرسها ، اسأل عنها المتفوقين ، لخص الكتاب ، اقرأ الكتاب أكثر من مرة ، تناقش مع الأستاذ، حاول أن ترافق طالباً متفوقاً في هذه المادة ، في التجارة لا يوجد أمل ، المحل سنسلمه ، فكر ، لعل البضاعة غير مناسبة ، لعل موقع المحل غير مناسب ، لعل تعاملك مع الناس غير صحيح ، لعل سعرك مرتفع، لعل البضاعة ليست ذات قيمة عند الناس ، ابحث عن بضاعة ذات قيمة ، يقول: لا حظ لي في التجارة ، اصبر، أنت مؤمن ، إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، الله يلومك ، أخي زوجتي ليس فيها أمل ، لماذا لا أمل فيها ؟ حاول أن تصلحها ، أقنعها ، تلطف بها ، عاملها بالإحسان ، نبهها ، ذكرها ، زوجتي لا أمل فيها ، مباشرةً ، هذا موقف غير إسلامي ، إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، شريكي لا أتحمله ، صارحه يا أخي ، أنت لا تداوم ، ونحن شركاء ، ألا تحب أن يدوم بيننا هذا العقد ؟ أنت تلومني ، ولا تعمل شيئاً ، هذا الموقف أزعجني ، ترى بعد فترة تحسن ، أنت منزعج ، وساكت ، يداك مغلولتان ؟! عاتبه ، صارحه ، بين له ، اجعل حكمًا بينك وبينه ، هذا شريك ليس فيه أمل، والزوجة ليس فيها أمل ، والزواج ليس فيه أمل ، والتجارة ليس فيها أمل ، معنى هذا أنك إنسان انهزامي .
قرأت كلمة أعجبتني ، قال صاحبها : الذي يتأفف من عمله لا يصلح لأي عمل آخر ، إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ .
حالات كثيرة جداً ، بعد أن كان الطريق مسدوداً ، بعد أن كان الأمل مقطوعاً ، بعد أن كانت المصيبة محكمة.

نزلت فلما استحكمت حلقاتها***فرجت وكان يظن أنها لا تفرج
***
كن عن همومك معرضا*** و كِلِ الأمور إلى القضا
وابشر بخيـــر عاجل*** تنس به ما قد مضــى
فلرب أمر مـــسخط*** لـك في عواقبه رضـا
ولربما ضاق المضـيق*** ولـربما اتسع الفضــا
الله يفعل ما يشـــاء*** فلا تكـــن معترضـا
الله عودك الـــجميل*** فقس على ما قد مضـى
أخي أنا دائماً أشعر أنني أقل من الآخرين ، ما السبب ؟ ليس معي شهادة عليا ، ادرسها ، وخذها الآن بعد الكبر ، نعم بعد الكبر ، ذكر لي أحدهم أن والده لا يقتنع بالعلم إطلاقاً ، أخرجه من المدرسة الابتدائية ، قال لي : درس الابتدائية الحرة ، والإعدادي مساء ، والثانوي مساء ، ودخلت كلية الحقوق ، وأخذت دكتوراه في الحقوق ، كل هذا تهريب عن والده .
وما نيل المطالب بالتمني***ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
أنا أشعر أن هذا البيت لا يحتمل ، ابحث عن غيره ، ليس مشكلة ، أنا أقول لكم : هذا كلام نبينا عليه الصلاة والسلام ، وبعض علماء الحديث يقول : الحديث النبوي الشريف وحي غير متلو ، القرآن وحي متلو،
قال الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم:

(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)
أنت مريض ، اسمع قول النبي عليه الصلاة والسلام ،
لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
[مسلم]

أعرف رجلا في قلبه علة كبيرة ، نُشر صدره ، وأُخرج قلبه ، وخدر قلبُه إلى أن وقف ، ووصلت شرايينه بقلب اصطناعي ، ووضعت أحشاؤه على المشرحة ، ومضى على هذه العملية عشرون عاماً ، وهو في أتم صحته ، لماذا؟ لكل داء دواء ، تجري عملية ، وتنجح .
إن الطبيــب له علم يدل به*** إن كان للناس في الآجال تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام رحلته*** حــار الطبيب وخانته العقاقير
يا أخي أنا قضيت كل عمري في المعصية ، الآن الله يقبلني ؟! يقبلك وزيادة ،
إذا قال العبد : يا رب ، وهو راكع قال الله : لبيك يا عبدي ، إذا قال العبد : يا رب وهو ، ساجد قال : لبيك يا عبدي ، وإذا قال العبد : يا رب ، وهو عاص قال الله عز وجل : لبيك ، ثم لبيك ، ثم لبيك ،
قال تعالى في القرآن الكريم :

(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
[سورة الزمر : 53]

وقال في الحديث القدسي:
لو يعلم المعرضون شوقي إليهم وانتظاري إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إلي، أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطتهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها ، وأزيد ، والسيئة بمثلها ، وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها .
يا أخي أنا كبرت ، مادام القلب ينبض فالباب مفتوح،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، والعقيم الوالد ، والظمآن الوارد
[بمأثور الخطاب عن أبي هريرة ، وانظر فيض القدير]

إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، هناك نقطة مهمة جداً ، ألست مؤمناً بأن الأمر كله بيد الله ، وأن الله هو الفعال ؟ يا أخي لا يستقبلني ، يا أخي حاول ، من أدراك أن الله سبحانه وتعالى يلين قلبه لك .
قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ
[مسلم]

و مالي سوى فقري إليك وسيلة***فبالافتقار إليك فقري أدفع
و مالي سوى قرعي لبابك حيلة***فإذا رددت فأي باب أقرع
إذاً : إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:

… وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ …
[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

قصة لا أنساها ، كنا مرة في مجلس ، فذكر لي أحدهم هذه القصة ، لشدة غرابتها كأني ما صدقتها ، وهي عن رجل في الخامسة و الخمسين من عمره ، يظهر أنه حضر خطبة في مسجد ، وجد شاباً عالماً طليق اللسان ، الناس تحلقوا حوله ، تمنى أن يكون مثله ، ولكنه أصبح في الخامسة والخمسين ، فهذا الرجل اشتهى أن يكون في هذا المكان ، وهو من الصعيد من ريف مصر ، ركب دابته ، واتجه نحو القاهرة ، فلما وصل إلى أطرافها سأل : أين الأزعر ؟ أي الأزهر ، وهو مركز العلم المشهور، شاهده شخصاً صالحاً قال له : أخي هذا اسمه الأزهر الشريف ، وليس الأزعر ، دله عليه القصة ، سمعتها من رجل ، ومن رجل آخر ، ثم تحققت منها ، فإذا هي واقعية مئة بالمئة ، هذا الرجل الذي بلغ الخامسة والخمسين من عمره تعلم في هذا السن القراءة والكتابة ، وحفظ القرآن الكريم ، وطلب العلم الشريف ، وعاش إلى السنة السادسة والتسعين ، وما مات إلا وهو شيخ الأزهر ، واسمه زكريا الأنصاري:
ملك الملوك إذا وهب*** قم فاسألن عن السبب
الله يعطي من يشـاء*** فـقف على حد الأدب
تعلم ، واللهِ التقيت مع أخ من إخواننا الكرام عمره اثنتان وخمسون سنة ، قال لي : أنا العام الماضي حفظت القرآن الكريم كله ، طبعاً العلم في الصغر كالنقش بالحجر ، والعلم في الكبر كالكتابة على الماء ، ومع ذلك إذا صدقت الله سبحانه وتعالى يعينك فلا تعجز ، … وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ … ، أخي كيف أمشي في هذا الطريق الذي لكم ؟ تريد أن أغض بصري الآن ؟ نعم ، صعب ، قال له شخص : والله أنا لا أستطيع أن أدير وجهي عن النساء ، كيف سأغض بصري ؟ … وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ … ، انظر إلى موقف سيدنا يوسف الذي به تواضع، قال :
(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)
[سورة يوسف : 33]

غض بصرك ، … وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ … ، وقل : يا رب أعني على غض البصر ، كيف أضبط لساني ؟ أنا أتسلى بقصص الناس ، شيء ممتع جداً ، … وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ …
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الكيس من دان نفسه ، ضبط نفسه ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني
يعيش سبهللا هكذا ، وكان أمره فرطا .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ، ثَلَاثًا ، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُقِيَ الْفِتَنَ ، وَمَا مِنْ جَرْعَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا عَبْدٌ ، مَا كَظَمَهَا عَبْدٌ لِلَّهِ إِلَّا مَلَأَ اللَّهُ جَوْفَهُ إِيمَانًا
[أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

استرخاء ، يطلق بصره ، يطلق لسانه ، يطلق يده ، ينام حتى يشبع النوم ، يتكلم عن الناس ليشبع ، كله ليشبع ، أما المؤمن فهو وقاف عند كتاب الله ، هذا يرضي الله ، هذا لا يرضي الله ، إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْز، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني .

وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ
الكيّس ، الكيس هو العاقل ، والكيس هو العقل ، ومعناه هنا التدبير ، ولكن عليك بالكيس ، فكر ، دبر، خطط ، هيئ ما تقوله لفلان ، عنده لقاء مع شخص مهم ، بعد ما خرج من عنده قال : واللهِ هذه النقطة ما قلتها، لا حول ولا قوة إلا بالله ، وهذه القصة ما قلتها ، والكتاب لم أره إياه ، لمَ لمْ تخطط ، لمَ لمْ تكتب البنود ، هكذا الإنسان ، إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، استخدم عقلك ، إن الله لما خلق العقل قال له : أقبل ، فأقبل، ثم أدبر فأدبر ، قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحب إلي منك ، بك أعطي ، وبك آخذ، العقل مناط التكليف .
أنا أضرب مثلاً واضحاً ، واحد معه جهاز حديث جداً إلكتروني ، إذا وضع عليه العملة الأجنبية يعطيه إشارة مزورة ، أو صحيحة ، باع بيته بأعلى سعر ، وقبض الثمن بعملة أجنبية ، والجهاز في جيبه ، وما استخدمه ، وإذا بالمبلغ كله عملة مزورة ، نقول له : لمَ لمْ تستخدم هذا الجهاز طالما الجهاز معك ؟ هذا المثل البسيط ، دائماً وأبداً أين عقلك ؟ العقل مناط التكليف ، ولكن عليك بالكيس ، ليس هناك بيع لعل هناك تجاوز حدود من موظفيك مع الزبائن ، لعل البضاعة غير مناسبة ، لعل سعرها غال ، أو ليس فيها ذوق ، يقول : لا نعمل ، أنا أقول لكم : والله الذي لا إله إلا هو أصحاب الحرف ممن يتقن عمله لا يقف عن العمل ، لأنه لما يكون هناك مئة صاحب مصلحة، منهم خمسة متفوقون ، مهما بردت الأسواق يستوعب الخمسة.
أنا أسمع عن بلاّط ينتظره الناس ستة أشهر ، بالدور ، هناك إتقان ، إتقان بالغ ، لذلك الإتقان جزء من الدين، بل هو جزء كبير من الدين ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، أي عليك بالتعقل ، عليك بالتدبير ، عليك بالتفكير، أخي هذا الاستسلام الساذج ، التوكل مكانه القلب ، والسعي مكانه الجوارح ، المسلمون في عصور تخلفهم عكسوا الآية ، صار توكلهم في الجوارح ، هو جالس مرتاح ، لا يسعى،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ ، تَغْدُو خِمَاصًا ، وَتَرُوحُ بِطَانًا
[لترمذي]

تحرك ،
قال الله تعالى مخاطباً السيدة مريم عندما حملت بسيدنا عيسى من دون رجل واعتزلت الناس وعندما أتاها المخاض:

(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً)
[سورة مريم : 25]

النخل لا يهز ، هذه إشارة من الله إلى أن هذا التمر الذي تساقط عليها رطباً جنيا جعل له سبباً ، هزي ، الله سبحانه وتعالى يرزق على أبسط الأسباب كلمة ، عنوان شخص ، تلتقي معه ، تسافر إلى محافظة ، يأتيك رزق، الحركة فيها بركة ، كما يقول العوام ،على أن الإنسان لا يعجز ، لا يتواكل .

فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ
الحديث دقيق جداً ، أنت أمام مشكلة ، هناك ثلاثة مواقف ، الموقف الأول : أن تنهزم ، الموقف الثاني : أن تسعى ، الموقف الثاني يتولد عنه موقف ثالث : تسعى ، فإما أن تنجح ، وإما أن لا تنجح ، إن نجحت فالله سبحانه وتعالى أراد لك هذا النجاح ، وأعانك عليه ، والصعاب ذللها ، والقلوب لينها ، والأفكار سهلها ، فإذا لم تنجح فهذه هي الحكمة ، وهذا هو الخير ، وهذه هي النعمة الباطنة،
قال تعالى :

(وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)
[سورة لقمان : 20]



فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل
إذا لم تنجح ، واللهِ شيء جميل ، أمام مشكلة الاستسلام عليه لوم ، السعي ينشق إلى شقين ، إما أن ننجح، وإما ألا ننجح ، إن نجحنا فهذه نعمة الله عز وجل الظاهرة ، وإن لم ننجح فهذه نعمة الله الباطنة ، لا نعرف أين الخير ، أخي بعد أن اتفقنا غيّر رأيه ، يكون هذا الخير ، يوجد قصص كثيرة بهذه الحالة .
سمعت أن طائرة من مدينة إلى مدينة قادم عليها شخص مهم جداً ، لا مكان له ، فأخذوا اللائحة، استعرضوها ، بحثوا عن شخص مكانته في السلم الاجتماعي متدنية ، وجدوا هناك سائقاً أوصل شخصاً ، ويريد أن يرجع بالطائرة ، فشطبوا اسمه ، استنكر وحاول واعترض ولكن دون جدوى الجواب: لا يوجد مكان ، هذه نقودك، الطائرة أقلعت ، ثم احترقت في الجو ، اللائحة وصلت على أساس أن هذا الشخص ميت ، فبلغوا أهله أنه مات، وصار هناك تعازٍ ، بينما هو وجد مكاناً وصل بعد عشر ساعات ، وصل فوجد أهله يبكون عليه ، والناس يعزون به ، هذا الخير، الخير أن لا تسافر على هذه الطائرة ، أنت لا تعرف أين الخير ؟. غُلبت ، قال لك : لا يوجد موافقة ، مع السلامة ، معنى هذا أن هذا هو الخير ، هذه نعمة باطنة ، أول نعمة ظاهرة ، إذا وافق فهي نعمة ظاهرة ، لم يوافق نعمة باطنة ، سمح لك أن تسافر نعمة ظاهرة ، ما سمح لك نعمة باطنة ، الصفقة تمت نعمة ظاهرة ، لم تتم نعمة باطنة ، نجحت نعمة ظاهرة ، لم تنجح نعمة باطنة ، ولكن طبعاً تكون مجتهداً ، الكسلان هذا عقاب ، لذلك : إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل
هذا حديث دقيق جداً ، يوجد توجيه حكيم ، ويوجد منهج ، ويوجد توحيد ، يوجد عبودية لله عز وجل ، ويوجد معرفة بالله ، منهج ، وموقف كامل للمؤمن ، عبودية لله ، توحيد ، راحة نفسية ، شيء ما كان لك ، ليس في الإمكان أبدع مما كان ، لكل شيء حقيقة ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ
[الترمذي عن ابن عباس]

هذا هو التوحيد ، والله أنا أعتقد من يوحد يكون قد أنجى نفسه من آلاف الأمراض ، الآن أحدث دراسة ما من مرض إلا وله أسباب نفسية عميقة ، القرحة نفسية ، الكوليسترول له أسباب نفسية ، أمراض القلب لها أسباب نفسية، الضغط العالي ضغط الهم ، هذا يسبب ضغط دم ، أسباب نفسية ، وكل هذه الضغوط ، وهذه الآلام أسبابها شرك بالله ، رأيت فلانًا أقوى منك ، ولا يحبك ، يريد أن يضايقك ، أما إذا وحدت فقد ارتحت ، أريد دليلاً من القرآن الكريم أنك إذا وحدت ترتاح،
قال تعالى :

(فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ)
[سورة الشعراء : 213]

عذاب الشرك ، عذاب التمزق ، عذاب أن ترضي الناس جميعاً ، المؤمن مشكلته سهلة له ، علاقة مع جهة واحدة ، تصور عبدًا له خمسة أسياد ، هذا قال له : اترك ، وتعال إليّ ، جاء سيده الثاني : أين أنت ؟ تعال إلى هنا ، فقال له الثالث : لماذا لم تأت إلي ، غضب منه ، إذا كان له خمسة أسياد ، كل واحد أعطى أمرًا ، شيء صعب ، أما إذا كان عبد لسيد واحد فليس عنده إلا أمر واحد ، المؤمن من عظمة الإيمان له علاقة مع جهة واحدة فقط ، والباقون جميعاً لا قيمة لهم ، لأنهم لا يقدمون ، ولا يؤخرون ، اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها
لذلك الحديث هذا يجب أن تحفظوه ، ويجب أن تعملوا به إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
عقد الصفقات أحياناً شيء يقترب أن يتم ، يقول لك : تغير الأمر عند أخر لحظة ، بسبب فلان ، فلان قدَمُه سوء ، هذا كلام الشرك ، هذا شيء لم يكن من نصيبك ، واللهُ ما سمح به ، فإذا وحدت ارتحت ، وأرحت .
هذا الحديث إن شاء الله إذا اتضح في أذهان الإخوان الكرام عليهم أن يذكروه كلما أقدموا على عمل ، لا تعجز ، إياك أن تستسلم ، إياك أن تنهزم ، إياك أن تخنع ، إياك أن تقول : لا حول لي ولا قوة ، الله هو صاحب الحول والقوة ، اطلب منه ، عليك بالكيس ، فكر ، دبر ، هيئ أمورك ، نظم ، تكلم مع فلان ، أقنع فلاناً ، اكتب كتاباً ، اكتب رسالة ، تحرك ، اسعَ ، فإذا غلبك أمر ، سعيت ، وما نجحت فهذا الخير .
هنا نقطة مهمة جداً ، حينما تستنفذ كل جهدك الذي يقع فهو الخير ، أما إذا لم تستنفذ جهدك الذي يقع فقد يكون عقاباً ، الابن مريض ، حرارته أربعون ، ما أخذناه إلى الطبيب ، يعيننا الله ، الله يسلم ، هذا ليس كلامًا إسلاميًا ، الله أمرك أن تسعى ، تضاعف الأمر ، التهاب سحايا ، بعد هذا مات ، هكذا الله كتب له ، لا ، هذا كلام مرفوض ، أنت تأخذه إلى الطبيب ، وتهتم أن يكون طبيباً جيداً مخلصاً ماهراً في علمه ، تستعمل الدواء بشكل جيد، تدفع صدقة ، وبعد ذلك تستسلم للذي يحدث ، وهو الخير ، أما قبل أن تستنفذ الجهد فالاستسلام مرفوض ، وكل نتيجة تأتي بعد الاستسلام ليست قضاءً وقدراً كما يزعم بعض الناس ، إنما هي جزاء التقصير والإهمال ، يقول لك: هذا الدواء لا تضعه بين أيدي الأطفال ، أنت لم تعر لذلك اهتماما ، أخذ ابنك حبتين ، يحتاج إلى غسيل معدة ، صار معه قرحة الأمعاء ، ثقبت ، يحتاج إلى عملية جراحية ، هكذا ترتيب الله ، لا ، ليس ترتيب الله ، هذا تقصيرك، مكتوب على الدواء : لا تضعه بين أيدي الأطفال ، ضعه في مكان عال ، هناك أشياء كثيرة تحدث ، لا تقل : الله أراد ، إلا إذا استنفذت الأسباب ، حينما تستنفذها فالله أراد ، أما قبل أن تستنفذها فهذا عقاب ، وهذا جزاء التقصير ، هذا كله من قول النبي الكريم : فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
والحمد الله رب العالمين

منقول عن: أحاديث- إن الله يلوم على العجز – 08/ 308 الأحد 2 / 06 / 1991 لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي .

0 التعليقات:

إرسال تعليق