الجمعة، 14 أكتوبر 2011

الحياة البرزخية للنبى


1-الحياة البرزخية حياة حقيقية وهذا ما دلت عليه الآيات البينات والأحاديث المشهورة الصحيحة


وهذه الحياة الحقيقية لا تعُارض وصفهم بالموت كما جاء ذلك في كتاب الله العزيز إذ يقول


{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ }الأنبياء34ويقول


{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ }الزمر30


أن معنى قولنا عن الحياة البرزخية بأنها حقيقية أي ليست خيالية أو مثالية


كما يتصورها بعض الملاحدة ممن لا تتسع عقولهم للإيمان إلا بالمُشاهد


المحسوس دون الغيب الذي لا يطيق العقل البشرى تصوره ولا تسليم كيفيته


لقدرة الله جل جلاله إن وقفة تأمل قصيرة عند قولنا عن الحياة البرزخية بأنها


حقيقة لا تبقى من الأشكال أدنى ذرة حتى عند من يقصر فهمه وذوقه عن تعقل المعاني


فكلمة (حقيقية) ليست إلا لنفى الباطل وطرد الوهم ونفى




الخيال الذي قد يقع في ذهن الإنسان المتشكك المرتاب في أحوال عالم البرزخ وغيرها من


العوالم الأخرى كالنشر والبعث والحشر والحساب وهذا




المعنى يدركه الإنسان العربي البسيط الذي يعرف أن كلمة (حقيقية) تعنى حقيقة


وهى ما يقابل الوهم والخيال والمثال فحقيقية أي ليست بوهيمية




وهذا هو المقصود بعينه وهذا هو مفهومنا وتصورنا لهذه القضية


ولقد تضافرت الأحاديث والآثار التي تثبت أن الميت يسمع ويحس ويعرف


سواء كان مؤمناأم كافرا فمنها حديث القليب وهو ثابت في الصحيحين من وجوه متعددة


عن أبى طلحة وعمر وابنه عبد الله : أن النبي أمر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد


قريش فألقوا في طوي من أطواء بدر فناداهم رسول الله وسماهم ( ي أبا جهل بن هشام


يا أمية بن خلف يا عتيبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة يا فلان بنفلان أليس قد وجدتم ما


وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربى حقا ) فقال عمر يا رسول الله ما تُكلم من أجساد لا أرواح فيها فقال عليه الصلاة


والسلام ( والذي نفسي بيده ما انتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يجيبون ) وهكذا رواه الشيخان من حديث ابن عمر والبخاري من حديث أنس عن


أبى طلحة ومسلم من حديث أنس عن عمر ورواه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد


صحيح ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه وفيه : قالوا:


يارسول الله وهل يسمعون ؟ قال ( يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون )


ومنها ما رواه البزار وصححه ابن حبان من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن




السدى عن أبيه عن أبى هريرة : عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم


( إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين ) واخرج ابن حبان أيضا من






طريق محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبي نحوه في حديث طويل .


وقال البخاري في صحيحه باب الميت يسمع خفق النعال ثم روى


عن انس عن النبي قال ( العبد إذا وُضع في قبره وتولّى وذهب أصحابه حتى انه ليسمع قرع


نعالهم أتاه ملكان فأقعداه ) وذكر الحديث في سؤال القبر


ورواه مسلم أيضا وسماع الميت خفق النعال وارد في عدة أحاديث


ومنها الأحاديث الواردة في سؤال القبر وهى كثيرة منتشرة وفيها التصريح بسؤال


الملكين له وجوابه بما يطابق حاله من سعادة أو شقاء ومنها ما شرعه النبي لأمته من


السلام على أهل القبور ومخاطبتهم بلفظ السلام عليكم دار قوم


مؤمنين قال ابن القيم : وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ولولا ذلك لكان هذا الخطاب


بمنزلة خطاب المعدوم والجماد والسلف مجموعون على هذا


وقدتواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به


ثم ذكر جملة منها في كتاب الروح . فليراجع .




قلت : وقد روى عبد الرازق في هذا الباب حديثا عن زيد بن أسلم قال :


مر أبو هريرة وصاحب له على قبر فقال أبو هريرة سلم فقال الرجل :


أسلم على القبر فقال أبو هريرة إن كان رآك في الدنيا يوما قط إنه ليعرفك الآن .


رواه عبد الرازق في المصنف (ج3 ص 577 )


وهذا الذي قلناه هو عقيدة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين


وهم أهل السنة والجماعة فلا أدرى كيف يغفل هؤلاء الذين يدعون أنهم على


مذهب السلف عن هذه الحقيقة وقد أفاض الشيخ ابن القيم في كتاب الروح


بما يشفى ويكفى وننقل هنا فتوى عظيمة لشيخ الإسلام الإمام


ابن تيمية في هذا الموضوع كما جاء في الفتاوى الكبرى سُئل الشيخ عن الأحياء


إذا زاروا الأموات هل يعلمون بزيارتهم ؟


هل يعلمون بالميت إذا مات من قرابتهم أو غيره ؟ فأجاب :


الحمد لله نعم جاءت الآثار بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات ,




كما روى ابن المبارك عن أبى أيوب الانصارى قال :


( إذا قُبضت نفس المؤمن تلقاها الرحمة من عباد الله كما يلتقون البشير في الدنيا




فيقبلون عليه ويسألونه فيقول بعضهم لبعض , انظروا أخاكم ليستريح فإنه كان في كَرْب شديد , قال : فيُقْبلون عليه ويسألونه ما فعل فلان


وما فعلت فلانة هل تزوجت ) الحديث .


وأما علم الميت بالحي إذا زاره وسلم عليه ففي حديث ابن عباس قال


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم


( ما من احد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه


السلام ) قال ابن المبارك ثبت ذلك عن النبي وصححه عبد الحق


صاحب الأحكام ( ا.ھ مجموع فتاوى الشيخ ابن تيمية ) ( ج24 ص 331 )


وجاء في موضع آخر أيضا سُئل الشيخ ابن تيمية :


هل الميت يسمع كلام زائره ويرى شخصه ؟ وهل تُعاد روحه إلى جسده




في ذلك الوقت أم تكون ترفرف على قبره ؟




في ذلك الوقت وغيره ؟ وهل تُجمع روحه مع أرواح أهله وأقاربه الذين ماتوا قبله ؟


فأجاب : الحمد لله رب العالمين . نعم !


يسمع في الجملة كما ثبت فيالصحيحين عن النبي انه قال ( يسمع خفق نعالهم حين يُولْون عنه )


ثم ساق أحاديث متعددة في هذا المعنى ثم قال : فهذه النصوص وأمثالها تبين أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي


ولا ينبغي أن يكون السمع له دائما بل قد يسمع في حال دون حال كما يُعرض للحى


فإنه قد يسمع أحيانا خطاب من يخاطبه


وقد لا يسمع لعارض يعرض له وهذا السمع سمع إدراك ليس يترتب عليه جزاء


ولا هو السمع المعنى بقوله


({إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى }النمل80 فإن المراد بذلك سمع القبول والامتثال


فإن الله جعل الكافر كالميت الذي لا يستجيب لمن دعاه


وكالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفقه المعنى .


فالميت وان سمع الكلام وفقه المعنى فإنه لا يمكن إجابة الداعي


ولا امتثال ما أمر به ونُهى عنه


فلا ينتفع بالأمر والنهى وكذلك الكافر لا ينتفع بالأمر والنهى وان سمع الخطاب


وفهم المعنى كما قال تعالى ({وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ }


الأنفال23 وأما رؤية الميت فقد روى في ذلك آثار عن عائشة وغيرها .


وأما قول القائل هل تعاد روحه إلى بدنه ذلك الوقت


أم تكون ترفرف على قبره في ذلك الوقت وغيره ؟ .


فإن روحه تُعاد إلى البدن في ذلك الوقت كما جاء في الحديث وتُعاد أيضا في غير ذلك .


ومع ذلك فتتصل بالبدن متى شاء الله وذلك في اللحظة بمنزلة نزول الملك


وظهور الشعاع في الأرض وانتباه النائم .


وهذا جاء في عدة آثار أن الأرواح تكون في أفنية القبور قال مجاهد :


الأرواح تكون في أفنية القبور سبعة أيام


من يوم دفن الميت لا تفارقه فهذا يكون أحيانا وقال مالك بن انس:




بلغني أن الأرواح مرسلة تذهب حيث شاءت والله اعلم .


ا.ه مجموع فتاوى الشيخ ابن تيمية (ج24 ص 362 ) وقال الشيخ ابن تيمية في موضع آخر :


أما ما اخبر الله من حياة الشهيد ورزقه وما جاء في الحديث الصحيح من دخول أرواحهم الجنة


فذهبت طوائف إلى أن ذلك مختص بهم دون الصديقين وغيرهم


والصحيح الذي عليه الأئمة وجماهير أهل السنة:




أن الحياة والرزق ودخول الأرواح الجنة ليس مختصا بالشهيد


كما دلت على ذلك النصوص الثابتة


ويختص الشهيد بالذكر لكون الظانّ يظن انه يموت فينكل عن الجهاد فأخبر بذلك


ليزول المانع من الإقدام على الجهاد والشهادة .


كما نهى عن قتل الأولاد خشية الإملاق لأنه هو الواقع


وان كان قتلهم لا يجوز مع عدم خشية الإملاق .


(ا.ه مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج24ص332) .


رأى رسول الله رجلا قد اتكأ على قبر فقال له ( لا تؤذ صاحب القبر) ذكره المجد ابن تيمية في المنتقى (ج2ص104)


وعزاه لأحمد في المسند وكذا الحافظ ابن حجر في الفتح (ج3ص178) وقال إسناده صحيح


وأخرجه الطحاوى في معاني الآثار(ج1ص296) من حديث ابن عمرو بن حزم بلفظ


رآني رسول الله على قبر فقال


( انزل عن القبر لا تؤذ صاحب القبر ولا يؤذيك ) (ا.ه مجمع الزوائد ج3ص61)

0 التعليقات:

إرسال تعليق